بداية لابد من التأكيد، على أن عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، يعكس إرادة العرب في تبني مقاربات جديدة، حيال الواقع المستجد في سوريا، وعلى الرغم من الضغوط الأمريكية لجهة منع التطبيع مع الدولة السورية، إلا أن الواقع الإقليمي اليوم، يفرض تعاطياً مختلفاً مع جُل التطورات في المنطقة، ولا يصح القول بأن الضوء الأخضر الأمريكي، سمح للعرب بإعادة سورية إلى الجامعة العربية، وكذلك لا يصح القول بأن الولايات المتحدة قد سمحت للعرب بإعادة تنظيم علاقاتها مع الدولة السورية، فقد بات واضحاً أننا أمام واقع عربي تعاد هندسته من سورية، لا سيما أن الموقف العربي تمت بلورته بعد التأكد بأن دمشق قد انتصرت في الحرب، ولنكن واقعيين، فإن سوريا اليوم وفي موقفها من مجمل التطورات، هي بحاجة لموقف عربي واضح، واليوم تم هذا الأمر، لكن في العمق، فإن الدولة السورية لديها ثوابت لا يمكن التخلي عنها، وهنا يبدو واضحاً أنه ثمة إجماع عربي على تبني رؤية دمشق، سواء لجهة الحل السياسي، أو لجهة تبني رؤية دمشق حيال القضايا العربية.
بكل واقعية، ثمة قضايا وملفات عربية، لا يمكن أن تُحل دون وجود سوريا الفاعل والمؤثر في تلك الملفات، لا سيما أن وجود سوريا في الجامعة العربية، سيكون كفيلاً بحلحلة جُملة واسعة من القضايا العربية، والبداية من اليمن، ومن ثم لبنان، ووصولاً إلى الملف المستجد المتعلق بتدهور الأوضاغ في السودان. نتيجة ذلك ثمة دور سوري في تلك الملفات، ستتم هندسته لبناء واقع عربي لا يسمح القوى الخارجية بالتدخل به.
ربطاً بما سبق، فإن دمشق ومن خلال إمساكها بمسارات سياسية غاية في القوة، وعطفاً على السعي العربي الدؤب لجهة إعادة تنسيق المواقف مع دمشق، للوصول إلى حل سياسي يُنهي تسلط الدول الغربية على سوريا، ويضع حد للممارسات الأوروبية الأمريكية حيال تعطيل الحل السياسي في سوريا، لكن في المقابل، فإن الولايات المتحدة ومن خلفها الدول الغربية، وضمنا الأمم المتحدة، فإن محاولات الضغط السياسي على دمشق لم تنجح في أقسى صور المشهد السوري، فـ كيف اليوم وثمة وقائع ومعطيات كثيرة، تؤكد في مجملها بأن الموقف السوري بات اقوى من ذي قبل، لا سيما بأن حالة الإنفتاح السياسي العربي والخليجي على الدولة السورية، وكذلك الدعم الروسي والصيني والإيراني للموقف السوري، كل ذلك يفترض واقعاً سياسياً مختلفاً، لكن يبدو أن انتصار دمشق، هو مشهد لا تريد واشنطن ولا الدول الغربية عموماً، برؤيته واقعاً.
الأمم المتحدة التي تطالب بتطبيق القرار الأممي 2254، والمقبول سورياً وروسياً، لكن بما لا يؤثر على سوريا جغرافية وشعب، هي ذاتها أيضاً تقوم باستصدار قرارات أممية من شأنها في المضمون والأهداف، تعطيل أي حل سياسي يُنهي معاناة السوريين، فالدولة السورية وقيادتها، لا يمكن لها التفريط بالمكتسبات السياسية والعسكرية التي حُققت، وبالتأكيد سيتم استثمار هذه المكتسبات، بما ينعكس على الشعب السوري بعمومه، وبما لا يُفرط من خلاله بالسيادة السورية.
واقع الحال يؤكد بأن الأمم المتحدة إنما تعكس حالة من النفاق الدولي تُجاه دمشق، وقد بدا واضحاً من خلال مسارات كثيرة، بأن الأمم المتحدة هي مجرد عامل أمريكي مُعطل للحل السوري، وبالتالي لا يمكن سورياً ولا تحت أي ظرف، القبول بواقع المجتمع الدولي، وقرارات الأمم المتحدة التي تهدف إلى تطويق الدولة السورية وقيادتها سياسياً، أو محاولة اجبارها على تقديم تنازلات في سياق الحل السياسي القادم، ومؤخراً صدر قرار أممي، فحواه يتعلق بانشاء لجنة أممية للتقصي عن المفقودين، بحسب توصيفات الأمم المتحدة، والواضح أن هذا القرار وماهيته، ما هو الا رغبة أمريكية للضغط على الدولة السورية أولاً، ومن ثم المطالبة بالارهابيين الذين تم القبض عليهم من قبل دمشق، وذلك خلال فترات الحرب التي شُنت على سوريا.
القرار الاممي الأخير مضمونه واضح، وكذلك هدفه واضح، لكن من الواضح أيضاً أن الدول الغربية لا يمكنها أن تقبل فكرة الإنتصار السوري. صحيح أن الانتصار السوري بات قاب قوسين و أدنى، لكن الصحيح أيضاً أن طبيعة المرحلة القادمة تفترض تنسيق المواقف السورية والروسية والإيرانية، والاستفادة من انفتاح العرب على دمشق، للوصول الى حل سياسي شامل على المقاس السوري، ويقطع الطريق على كل القرارات الاممية التي تهدف فقط إلى تعطيل أي مسار سياسي تُجاه سوريا، ويعترف ضمناً بالانتصار السوري.
خبير الشؤون السورية والشرق أوسطية ومدير شبكة فينيقيا للأبحاث والدراسات الإستراتيجية.
المصدر: رياليوم