منذ “اجتماع عمّان التشاوري”، وما تبعه من بيان ختامي، ومن ثم حضور رأس النظام السوري، بشار الأسد، القمة العربية بالسعودية لم تتطرأ أي مستجدات على القضايا الأساسية التي شكّلت أساس الانخراط العربي في سوريا، ما يطلق تساؤلات بشأن مآلات “الرهان الأردني – العربي” حيال دمشق، والمساعي المتعلقة بمقاربة “خطوة مقابل خطوة”.
والقضايا هي: ملف تهريب المخدرات وحبوب الكبتاغون، وأزمة اللاجئين والتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.
ومن المقرر أن يبحثها وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، في الزيارة التي يجريها، الاثنين، إلى العاصمة السورية دمشق، حيث سيلتقي بمسؤولين من النظام السوري، ويناقش معهم أيضا ملف العلاقات الثنائية والعلاقات العربية و”المبادرة” التي طرحتها عمّان بشأن سوريا، بحسب وكالة “عمون”.
وتأتي زيارة الصفدي “في سياقات رهانات أردنية وعربية على إمكانية التزام القيادة السورية باشتراطات قرار الجامعة العربية، باستثناف أشغال الحكومة السورية لمقعد سوريا بالجامعة”، كما يقول مدير “الطريق الثالث للاستشارات الاستراتيجية” في الأردن، د. عمر الرداد.
لكن الرداد يضيف لموقع “الحرة” أنه وبعد مرور أكثر من شهر على القرار العربي المتعلق بسوريا من الواضح أنه “يصطدم بالعديد من العقبات”، وهو ما أشار إليه الصفدي سابقا، وكرره الأحد قبل وصوله إلى دمشق، وفقا لما نقلت وسائل إعلام أردنية.
ويعتقد الخبير والسياسي الأردني ، د. محمد حلايقة، في حديثه لـ”الحرة” أن “الصفدي ربما سيحمل رسالة إلى القيادة السورية في دمشق خلال زيارته الحالية”، وأن هذه الخطوة “تمت بالتنسيق مع بعض الأطراف العربية”.
واعتبر الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط، أن وزير الخارجية الأردني يدرك أن النظام السوري لم يلتزم بأي من المبادرات العربية التي قدمت له، وآخرها قبل أشهر.
ويقول لموقع “الحرة”: “نظام دمشق راوغ منذ بداية الثورة على الألفاظ في رده على المبادرات العربية”، وإنه “لا يزال ينتهج ذات العقلية، في وقت يدرك العرب أن قراره ليس حرا، بل يخضع لحلفائه”.
“بداية غير واعدة”
وعلى مدى الشهرين الماضيين واصل الأردن والمملكة العربية السعودية حربهما المتعلقة بمواجهة تهريب المخدرات.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فحسب، لتجد عمّان نفسها أمام عمليات تهريب أسلحة من خلال “الطائرات المسيرة” القادمة من مناطق النظام على طول الحدود الجنوبية لسوريا.
ولأكثر من مرة، خلال شهري مايو ويونيو الماضيين، أعلن الجيش الأردني ضبط شحنات حبوب “كبتاغون” وأسلحة، في أثناء محاولة تهريبها إلى أراضيه باستخدام “طائرات مسيرة”.
وفيما يتعلق بالحل السياسي لم تشهد المسارات الخاصة بالحل في سوريا أي انفراجة، خاصة المتعلقة باجتماعات اللجنة الدستورية السورية، التي أورد اجتماع “عمّان التشاوري” بندا بضرورة استئناف أعمالها.
وأما بخصوص أزمة اللاجئين، فلا تزال القضية تراوح في مكانها، رغم أن لبنان والأردن دفعا كثيرا خلال الفترة الماضية باتجاه البدء بعمليات إعادة قسم منهم إلى سوريا، ومن خلال تقديم “ضمانات” من جانب النظام السوري.
وفي هذا السياق، اعتبر مدير قسم سوريا في “معهد الشرق الأوسط”، تشارلز ليستر، أن “خطة الأردن” أو كما تسمى بـ”المبادرة” لإعادة إشراك النظام السوري المشروط ضمن المحيط العربي “لم تبدأ بداية واعدة”.
ودلل الباحث على ذلك من خلال نقاط عدة، موضحا أنه “ومنذ الترحيب الحار بالأسد في القمة العربية أعلنت الأمم المتحدة عن استطلاعاتها السنوية للاجئين في البلدان المجاورة، ووجدت أن واحدا بالمئة من اللاجئين السوريين قد يفكرون بالعودة إلى المناطق التي يسيطر عليها نظام الأسد”.
وفي غضون ذلك أشار ليستر إلى أن “عمليات تهريب الكبتاغون المصنعة في مرافق النظام استمرت منذ الترحيب بعودة الأسد إلى الجامعة العربية”، وأنه تم الإعلان عن العديد من المضبوطات في العراق والسعودية والأردن ولبنان ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وفي شهر يونيو الماضي، قُتل أكثر من 38 شخصا واحتُجز أكثر من 29 شخصا، فيما اختطف 8 آخرين في تصاعد هائل في أعمال العنف بمحافظة درعا، المجاورة للأردن، حيث تتوقع عمّان عودة اللاجئين.
وتابع ليستر، من جانب آخر، أنه ومنذ أن تم الترحيب بالأسد في المحيط العربي “صعدت قواته أعمال القتل في الشمال الغربي لسوريا”.
وفي الشهر الماضي (يونيو) لوحده قتل أكثر من 19 مدنيا، وجرح العشرات في قصف جوي ومدفعي على سوق ومزارع ومنازل في محافظة إدلب، الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة.
“ثلاث عقبات”
وقبل وصوله إلى دمشق أشار الوزير الأردني إلى إن لجنة التنسيق العربية مع سوريا تواصل حواراتها وجهودها مع الحكومة السورية لتنفيذ التزامات “بيان عمان” الذي تبع مؤتمر جدة العربي.
وقال إن الملك عبدالله الثاني والدبلوماسية الأردنية عملا بكل قوة على تسويق المقاربة الأردنية لحل الأزمة السورية ووجدت صدى إيجابيا لدى الكثير من الفاعلين الدوليين، لكنها أيضا لا تزال تواجه ببعض العقبات “التي نأمل بحلها وتجاوزها”، حسب تعبيره.
ويوضح الخبير الأمني الأردني الرداد أن أولى العقبات هي “استمرار تهريب المخدرات وانتقالها لمرحلة جديدة باستخدام طائرات مسيرة”.
ويقول متسائلا: “هل الحكومة السورية تسهل هذا التهريب أم أنها غير قادرة على ضبط المليشيات والجهات التي تقف خلف التهريب؟”.
وهناك عقبة ثانية تتعلق بأن “القيادة السورية ما زالت تتعامل مع القرار العربي بمرجعية أنها، وتيار الممانعة، حققت انتصارا، وهو ما يطرح تساؤلات بشأن التنازلات التي يمكن أن تقدمها”.
وبالإضافة إلى ذلك يشير الرداد إلى أن “الأردن ومعه الدول العربية يبذل جهودا في انتزاع مواقف جديدة من الحكومة السورية”.
ومع ذلك “يبدو أن الحكومة السورية ليس بوارد تقديمها بشأن عودة اللاجئين ووقف المخدرات والعلاقة مع إيران ووكلائها لا سيما حزب الله”.
وما سبق أنتج مواقف أوروبية وأميركية باتجاه رفع قضايا في المحكمة الجنائية الدولية وتشكيل لجان أممية لتحديد مصير المفقودين لدى نظام الأسد، بالتزامن مع قرارات أخرى بخصوص مساعدة الشعب السوري في الداخل والخارج.
وتابع الخبير الأردني: “أصبح مؤكدا الآن أن مستقبل المشروع العربي سيبقى رهنا بما يمكن أن تقدم عليه الحكومة السورية من قرارات تجاه إعادة اللاجئين والتسوية السياسية والعلاقة مع إيران وروسيا”.
“سلسلة ملفات”
ومن جانب النظام السوري لم تترجم أي بادرة حسن نية على الأرض، أو حتى على لسان المسؤولين.
وكان وزير خارجية النظام السوري، فيصل المقداد، صرّح، في يونيو الماضي، أن “سوريا سارت مئات الخطوات فيما يتعلق بما هو مطلوب منه، في حين لم يتلق أي خطوة من الأطراف الأخرى”.
وطالب المقداد “من الأطراف الأخرى” أن تُبدي حسن نوايا، وأن تتوقف عن دعم الإرهاب وتجويع الشعب السوري وأطفال سوريا، وتساهم في نهضة الشعب السوري الجديدة، حسب تعبيره.
وقبل ذلك، كان المقداد قد قال إن “علاقة سوريا مع الدول العربية لا تسير بمقاربة خطوة مقابل خطوة، بل على أرضية اتخاذ خطوات جماعية للحل السوري”.
ومن جانبه، يرى نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق أن بلاده، محمد الحلايقة: “كان لها دور أساسي ومحوري في موضوع ترتيب عودة سوريا للجامعة العربية، وحضورها مؤتمر القمة في جدة”.
وبعد حضور الأسد للقمة “بدأت المعلومات تتوارد بشأن التزامات على الجانب السوري، مثل ضبط الحدود واللاجئين والعملية السياسية داخل سوريا”.
ويقول الحلايقة لموقع “الحرة”: “الأردن دولة جوار وله ملفات عدة هامة، منها المخدرات والتهريب عبر الحدود. الملف الأخير تحسن قليلا بتعاون من الجانب السوري فيما استطاعت القوات الأردنية أن تحقق اختراقا”.
وفيما يتعلق بأزمة اللاجئين، يشير ذات المتحدث إلى أنها “لم تتحرك وتسير ببطء، وما تزال المشكلة الأساسية التي تعترض الأردن”.
وخلال الفترة الأخيرة بدأت عمّان تواجه عمليات تهريب السلاح عبر الحدود، وهو ما يشكل “تطورا جديدا”، بحسب الحلايقة، قد يكون من ضمن الرسالة التي يحملها الصفدي إلى دمشق.
ويتابع أن “عمّان منفتحة على تحسين العلاقات مع سوريا وتوسيعها، وخاصة الاقتصادية والتجارية، ولكنها تنتظر مع الجميع مبادرات من الجانب السوري للوفاء ببعض الالتزامات التي تسربت بعد القمة”.
“تلاعب بالألفاظ”
لكن، وفي مقابل ذلك يعتبر الكاتب والناشط السياسي السوري، حافظ قرقوط، أن “الجميع عربيا ودوليا بات يدرك أن النظام السوري أصبح خبيرا في إضاعة الوقت واللعب على الألفاظ والتعريفات والحقائق”.
ويقول قرقوط لموقع “الحرة”: “النظام ما زال ينتهج ذات العقلية”، ويعتقد أن قراره “ليس حرا”، وأن ما يجري من “مفاوضات تقف فيها إيران في الخلفية”.
“النظام يأخذ المبادرات من زاوية المكاسب. هو لا ينظر إلى مكاسب تصب في صالح الناس التي تألمت كثيرا، ولا يفكر أيضا بمصالح الآخرين. يهتم فقط بماله ومصالحه والمقومات التي سيحصل عليها”.
ويوضح الناشط السوري أن “المبادرة العربية ربما تستند لرغبة دولي لإيجاد ثغرة ما وضمن مقاربة تقديم خطوة مقابل خطوة. ومع ذلك يريد النظام خطوات متتالية”.
ويوضح قرقوط أن “العرب أمام حائط مسدود”، وأن النظام “عقبة أمام كل المبادرات، وهو يساوم بكم سيبيع ملف اللاجئين، وبكم سيبيع الشعب السوري”، معتبرا أنه “دون التلويح بعصا ما لن يقدم النظام أي شيء”، وأن “الصفدي سيعود دون تحقيق أي شيء بخصوص القضايا الأساسية”.