أثارت الأحكام التي أصدرها القضاء العسكري الإيراني، الأحد الماضي، بالسجن بحق المتهمين بإسقاط طائرة الركاب الأوكرانية مطلع عام
2020 جنوب العاصمة طهران، ما أودى بحياة 176 راكباً، انتقادات في إيران، وخاصة من قبل أسر الضحايا.
ووصفت بعض أسر الضحايا الأحكام بأنها “غير عادلة”، في حين دافع الجهاز القضائي للقوات المسلحة الإيرانية عن الأحكام، رافضاً الانتقادات والمقارنة بينها وبين أحكام بالإعدام بحق بعض المشاركين بالاحتجاجات الأخيرة في إيران بتهمة “إثارة الشغب والحرابة”.
وقال محامي عدد من أسر الضحايا، محمود علي زادة طبطبائي، اليوم الثلاثاء، لصحيفة “اعتماد” الإيرانية، إن “معظم الشاكين سحبوا شكاويهم قبل آخر جلسة للمحاكمة، وقالوا إنهم غير متفائلين بتحقيق العدالة في هذه المحكمة. لكنني وعدداً آخر من الموكلين كنا على أمل أن يتحقق ذلك”، وأضاف أن الأحكام الصادرة “لم تأت كما يريد الموكلون وسنعترض على الأحكام بعدما ما يتم إبلاغنا بها رسمياً”، منتقداً نشر الأحكام في الإعلام قبل إبلاغ أصحاب الشكاوى بها.
وأوضح أن الأحكام الصادرة بحق المتهمين العسكريين العشرة جاءت وفق البند “ب” في المادة 8 لقانون العقوبات للقوات المسلحة، والذي ينص على عقوبة “الحرابة” لمن يلغي أمراً عسكرياً في زمن الضرورة، متسائلاً عن سبب عدم إصدار حكم الإعدام بتهمة الحرابة في هذا الملف بينما صدر مثل هذا الحكم في الأشهر الماضية بشأن الحوادث الأخيرة، في إشارة إلى الاحتجاجات التي شهدتها إيران.
وتابع أن موكليه “لا يريدون إصدار أحكام الإعدام بحق الأشخاص في المراكز الدنيا”، مشيراً إلى أن “الحرابة” التي ارتكبها المتهمون بإسقاط الطائرة أودت بحياة 177 شخصاً بريئاً.
وفيما يدعو بعض أسر الضحايا وناشطون إلى محاكمة قادة عسكريين كبار، قال طبطبائي إن هذه الأسر قدمت شكاوى ضد “أشخاص محددين، لكن المحكمة أصدرت حكماً بمنع ملاحقتهم”.
طبيعة الأحكام الصادرة
وكان المركز الإعلامي للجهاز القضائي العسكري الإيراني قد أعلن، الأحد الماضي، الأحكام القضائية التي صدرت بحق المتهمين، ولم يذكر الإعلان أسماء المتهمين مكتفياً بذكر الرتب العسكرية للمتهمين العشرة، وهي: عميد وعقيد ورائدان ونقيبان وثلاثة عسكريين برتبة الملازم.
وأشار المركز في بيان له إلى أن المتهم الأول قائد منظومة الدفاع الجوي “تور إم 1″، وحُكم عليه بالسجن 13 عاماً، منها ثلاث سنوات تعزيراً بتهمة المباشرة في القتل شبه العمد لركاب الطائرة، وعشر سنوات أخرى بتهمة إلغاء أمر عسكري تلقاه، وما ترتب عليه من نتائج، كما حكمت المحكمة على المتهم المشار إليه بدفع الدية لأولياء الدم.
وجاء في لائحة الاتهام أن المتهم الأول أطلق صاروخين باتجاه طائرة الركاب الأوكرانية، مشتبهاً في أنها صاروخ كروز خلافاً للتعليمات ودون الحصول على تصريح مسبق.
كذلك صدرت أحكام بالسجن تتراوح بين عام وثلاثة أعوام على المتهمين التسعة الآخرين، ويحق للمتهمين الاعتراض على الأحكام الصادرة خلال فترة لا تتجاوز عشرين يوماً. وأشار المركز الإعلامي للسلطة القضائية الإيرانية إلى أن الحكومة الإيرانية ستدفع لكل أسرة من أسر الضحايا مبلغاً قدره 150 ألف دولار.
إلى ذلك، اعترضت بعض أسر الضحايا المقيمين خارج إيران في بيان على الأحكام الصادرة، داعية الدول الأربع (كندا وبريطانيا والسويد وأوكرانيا) التي فقدت بعض مواطنيها في حادث إسقاط الطائرة إلى تحمل مسؤولياتها، مع الإشارة إلى أن هذه الدول سترفع شكوى خلال يونيو/ حزيران المقبل أمام محكمة العدل الدولية.
وفي برنامج حواري في القناة الإيرانية الثانية، الليلة الماضية، انتقدت مواطنة إيرانية من مدينة قم، فقدت أحد أعضاء أسرتها في الحادث، الأحكام الصادرة وعملية المحاكمة، مشيرة إلى أنها كأحد أسر الضحايا لم تكن على علم بحيثيات جلسات المحاكمة.
وعلى شبكات التواصل الاجتماعي الإيرانية انتقد ناشطون ومغردون طبيعة الأحكام الصادرة واقتصارها على عسكريين من المراكز الدنيا، كما انتقدوا عدم إغلاق الأجواء الإيرانية في ليلة قصف فيها الحرس الثوري الإيراني بالصوارخ القاعدة الأميركية “عين الأسد” في العراق، القصف الذي جاء رداً على اغتيال الولايات المتحدة الأميركية قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” الإيراني السابق. وقارن المنتقدون بين أحكام الإعدام الصادرة بحق بعض متهمي الاحتجاجات الأخيرة بتهمة “إثارة الشغب” وبين الأحكام بالسجن على متهمين بإسقاط الطائرة الأوكرانية.
الجهاز القضائي يرد
ورد رئيس الجهاز القضائي للقوات المسلحة الإيرانية في طهران، علي افتخاري، في برنامج تلفزيوني على القناة الإيرانية الثانية على الانتقادات والشبهات المطروحة، مثل عدم محاكمة قادة عسكريين كبار، وقال إنه “إذا صدرت أحكام بمنع ملاحقة بعض الأشخاص فهذا يعني أن لا ذنب لهم. على مدى عام ونصف عام تم البت في الملف”.
وأشار إلى الانتقادات والمقارنات بين أحكام متهمي حادث إسقاط الطائرة وأحكام إعدام بحق بعض المتهمين بـ”إثارة الشغب”، المشاركين في الاحتجاجات التي شهدتها إيران خلال الشهور الماضية على خلفية وفاة الشابة مهسا أميني بعد أيام من احتجازها لدى الشرطة بتهمة عدم التقيد بقواعد الحجاب، قائلاً إن “هذا المتهم (بإسقاط الطائرة) ارتكب ذلك بهدف الحماية لكن تشخيصه كان خاطئاً ويجب معاقبته لكونه ارتكب خطأ، لكن أولئك الذين نزلوا إلى الشوارع بهدف زعزعة الأمن فعقوبتهم ستكون مختلفة ولا ينبغي المقارنة”.
وأضاف افتخاري “كلف من اليوم الأول فريقاً من أفضل المحققين، وشكلنا فرقاً للخبراء مما أدى إلى إطالة أمد البت في هذا الملف” لأكثر من ثلاث سنوات، مشيراً إلى “وقوع أخطاء متعددة في عملية إسقاط الطائرة”، قائلاً إن التحقيقات خلصت إلى “عدم وجود نقص في منظومة الدفاع الجوي وأن العامل الإنساني كان وراء الحادث بسبب تشخيص خاطئ”.
وأشار إلى أن الأحكام صدرت بعد عشرين جلسة محاكمة “وفق القانون والمقررات”، متوعداً “أشخاص مدنيين مقصرين أجروا مقابلات متعددة شوشت على أذهان الأشخاص والأسر وسيتم البت في ذلك”.
وفي معرض رده على سؤال عن عجز الرادار في تشخيص طائرة الركاب من الصاروخ، قال افتخاري إن هذا الرادار يخص فقط الرصد والاستطلاع، مضيفاً أن مشغل الدفاع الجوي، الذي استهدف الطائرة بصاروخين، لم يكن قادراً على التشخيص ما إذا كان الهدف هو طائرة أم صاروخ.
وفي الثامن من يناير/ كانون الثاني 2020، وبعد ساعات من هجمات صاروخية إيرانية على قواعد أميركية في العراق رداً على اغتيال قاسم سليماني في ضربة جوية أميركية بالقرب من مطار بغداد، أسقط الدفاع الجوي التابع للحرس الثوري الإيراني طائرة مدنية أوكرانية من طراز بوينغ 737، بعد دقائق من إقلاعها من مطار “الإمام الخميني” الدولي، جنوب العاصمة طهران، ما أدى إلى مقتل 177 راكباً من جنسيات عدة: أوكرانية وكندية وأفغانية وسويدية وبريطانية، إلا أن معظمهم كانوا إيرانيين، بينهم 63 كندياً من أصول إيرانية.
وبعد ثلاثة أيام أقرت السلطات العسكرية الإيرانية بإسقاطها، وعزت الحادثة في وقتها إلى “وقوع خطأ” بررته بحالة “التأهب القصوى” لدفاعاتها في مواجهة “أي هجمات محتملة للجيش الأميركي”.
المصدر: عربي