قبل أسابيع تغنّى “الاتحاد الرياضي العام” في سوريا بـ”ذهبية في الجمباز” حازت عليها إحدى “لاعباته” في دورة الألعاب العربية بالجزائر، ورغم أن ما أعلن عنه حصل بالفعل، إلا أن هوية من حقق ذلك أثارت جدلا وريبة وفتحت باب “فضيحة تزوير” كشف عنها صحفيون روس.
ووفق ما أعلن الاتحاد الرياضي التابع للنظام السوري، في السابع من يوليو الحالي، فإن اللاعبة الروسية أليكساندرا ماكسيموفا هي من حققت الذهبية، ونشر لها صورة على صفحته في “فيس بوك”، وهي تحمل العلم ذو النجمتين، ومن خلفها عدد من اللاعبين.
وماكسيموفا إلى جانب لاعبة الجودو ميلانا موجو (ميلانا مراد) لهما روابط مع المنتخب السوري على مواقع اتحاداتهما الدولية، ويعتبر وجودهن ضمن المنتخب السوري في إطار “الانتقال النظيف”، لكن هذا الأمر لا ينطبق على خمسة لاعبات روسيات أخريات شاركن مع منتخب سوريا في دورة الألعاب العربية.
وفجرت الصحافة الروسية قضية اللاعبات الخمس، إذ كشف الصحفي الرياضي الروسي سيرجي ليسين أنه تم تغيير أسمائهن وتاريخ ميلادهن وإدراجهن مع المنتخب السوري في البطولة المقامة بالجزائر، معتبرا أنها “فضيحة مدوية”.
وذكر أن راكبة الدراجات تاتيانا مالكوف وشقيقتها داريا، تم تغيير اسميهما إلى تاتيا وداريا ملكو، وتم تغيير تاريخ ميلاد داريا من 16- 11- 2000 إلى 07- 05- 2001، وهو ما تم التأكد منه على موقع البطولة العربية.
وأضاف أنه تم أيضا تغيير اسم الرياضية في ألعاب القوى (رمي الرمح) كارينا بولودكينا إلى كارينا بولود، ولاعبة الريشة داريا دشيدشولا إلى داشا ديدهولا مع تغيير تاريخ الميلاد للأخيرة من 1995 إلى 1999.
وفي غضون ذلك تم تغيير اسم لاعبة السباحة أناستاسيا سوروكينا إلى إيناس سوركين مع منتخب سوريا، رغم أنها مدرجة في قائمة المرشحين للمنتخبات الوطنية الروسية، وفق الصحفي الروسي، الذي تحدث عن القضية وحيثياتها لموقع “الحرة”.
“نفي وانتهاك”
ومنذ التدخل الروسي في سوريا عام 2015 خيّمت موسكو بأجوائها على مختلف القطاعات والملفات الخاصة بسوريا، من العسكرة إلى السياسة وصولا إلى الاقتصاد. ومع ذلك لم يترجم الأمر على نحو أكبر وبذات القدر عندما يتعلق الأمر بالرياضة.
وبينما تشهد الرياضة السورية حالة مزمنة من الترهل، لاعتبارات تتعلق بـ”الفساد المستشري” في الاتحاد الرياضي العام للنظام السوري وما فرضته تداعيات الحرب، حسب مراقبين بات الرياضيون الروس أمام أزمة مشاركة فرضتها العقوبات المتعلقة بالحرب التي بدأها فلاديمير بوتين ضد أوكرانيا، في فبراير العام الماضي.
ومن جانب النظام السوري وفي أعقاب “الفضيحة” التي كشفتها الصحافة الروسية نفى رئيس “الاتحاد الرياضي العام”، فراس معلا، وجود أي رياضيين روس في تشكيلة المنتخب السوري.
وقال معلا إن ثلاثة رياضيين روسا (سباحة وريشة ودراجات) تقدموا إلى الاتحادات الرياضية الدولية للحصول على الجنسية للمنافسة في الفرق السورية، لكن تم رفضهم، مشيرا إلى أنه “لا يوجد رياضي واحد غير سوري في المنتخب المشارك بالبطولة العربية”.
لكن حديث المسؤول السوري يخالف بجزء ما قالته وزارة الرياضة الروسية، حيث أشارت إلى أن اللاعبة “ماكسيموفا” و”موجو” تمثلان سوريا رسميا، وأن “المعلومات المتعلقة بالرياضيين الآخرين غير صحيحة”.
وأضافت الوزارة أن “اللاعبات لا يشاركن في دورة الألعاب العربية، ولم يعلنّ عن تغيير جنسيتهن الرياضية”.
في غضون ذلك علّق المدير الفني للمنتخب الروسي للدراجات، سيرجي كوفانيتس، على ظهور اللاعبة “مالكوف” على موقع البطولة تحت منتخب سوريا، بقوله إنه انتهاك لجميع القواعد، و”ليس لديها الحق في اللعب مع سوريا، وهذا لا يحدث في الحياة”.
ما القصة إذن؟
تفتح قضية تغيير أسماء اللاعبات الروسيات وتواريخ ميلادهن ومن ثم إدراجهن للعب ضمن المنتخب السوري تساؤلات عما حصل بالفعل وأهداف ذلك والسبب الحاصل وراء التضارب في الردود الرسمية.
ويعتقد الصحفي الرياضي الروسي سيرجي ليسين الذي فجّر “فضيحة التزوير” أن “شخصا ما في سوريا أراد تعزيز المنتخب الوطني للألعاب العربية بدعوة الرياضيين الروس”.
ويقول لموقع “الحرة” إن “الشخص المذكور “كان ذو منصب عال بما يكفي لتنظيم جنسية سريعة وربما مؤقتة للرياضيات”.
“أنا مندهش من أن الأشخاص الذين نظموا هذا لم يفكروا في السرعة التي سيصبح بها الوضع علنيا، ومقدار الضرر الذي يمكن أن يلحقه بكل من روسيا وسوريا”.
ويوضح ليسين أنه “يتم دائما مراقبة المسابقات في هذا المستوى، ومن المؤكد والطبيعي أن تنشأ العديد من الأسئلة”.
وفي حين كان “من الجيد أن اثنين فقط من الرياضيين، المعترف بجنسيتهما السورية من قبل اتحاداتهما الدولية، كانا قادرين على المنافسة في الجزائر”، إلا أن “شخصا ما اعتقد أنه من الصعب تحديد باقي الرياضيين على أنهم روس حقيقيون”.
ويتابع ليسين: “ربما كان المقصود من تغيير الأسماء والتزوير جعل الأمر أكثر صعوبة حتى بالنسبة للمنظمات الرياضية الروسية”.
ويرى الصحفي الرياضي السوري، رامز الحمصي أن ما حصل يعتبر “جريمة مكتملة الأركان من جانب روسيا وسوريا والجزائر المضيفة للدورة العربية”.
ويعاني النظام السوري منذ سنوات طويلة من اقتصاد مترهل وأزمة مالية وعملة منهارة، وانعكس هذا الأمر بالطرد على الرياضة، التي تحتاج لمعسكرات وضخ أموال، وهو ما يعجز عنه “الاتحاد الرياضي العام”.
ويوضح الحمصي لموقع “الحرة” أن “النظام السوري لجأ إلى حيلة تغيير وتزوير قيود اللاعبات ومنحهن جوازات سفر سريعة من أجل استقطابهن”، معتبرا أنه “غير قادر على تجنيسهن لأن الأمر معقد، حيث يجب أن يكون اللاعب في البلد ذاته، ويمارس الرياضات الخاصة به لمدة خمس سنوات”.
وتنظّم البطولة العربية لجان أولمبية تسمى “اللجان الأولمبية العربية”، ولذلك لا يمكن أن تفرض عقوبات على أي اتحاد رياضي عربي، حسب الصحفي السوري.
ويقول: “البطولة فقط لجمع العرب وتقام كل أربع سنوات”، وإن “النظام استغل الثغرات الموجودة فيها وأتى بلاعبين روس لكي يحصد الذهبيات”.
“الأهدف لصالح النظام”
وتعتبر دورة الألعاب العربية من الدورات المقامة بشكل دوري، إذ تجمع بين الاتحادات الرياضية العربية ويكون التنافس فيها “شريفا” ولتوطيد العلاقات العربية فيما بين الدول.
وافتكت سوريا الغائبة عن الدورة الأخيرة التي أقيمت بقطر عام 2011، المركز السادس بعدما حصدت 14 ذهبية من مجموع 52 ميدالية. وبذلك تكون قد تقدمت على مصر التي شاركت ببعثة رمزية في ألعاب القوى ورفع الأثقال، ونالت 12 ذهبية وفضية واحدة.
وجاءت مشاركة الاتحاد الرياضي السوري العام في هذه البطولة بعد شهرين من انفتاح عربي كبير حيال دمشق، وما تبع ذلك من اتجاه مسؤولي النظام السوري إلى فرض مشهد إعلامي وسياسي عنوانه “الانتصار في الحرب”، التي بدأت قبل 12 عاما.
ويوضح الصحفي الرياضي السوري، غياث تفنكجي أن قضية مشاركة اللاعبات الروسيات في منتخب سوريا لا يمكن ربطها بمحاولات اللاعبين الروس “الخروج من الحبس الرياضي”، والذي رسمت حدوده العقوبات المفروضة على موسكو بسبب حرب أوكرانيا.
ويقول تفنكجي لموقع “الحرة”: “الوضع في سوريا مختلف تماما، وما حصل عبارة عن اتفاقية بسيطة”، لاسيما أن اللاعبين الروس الكبار قادرين على تمثيل أنفسهم في محافل دولية وليس على مستوى البطولات العربية.
وكانت روسيا وفي أعقاب حربها ضد أوكرانيا قد اتجهت إلى تنظيم بطولات محلية وإقليمية على أراضيها، وهناك أيضا بطولات كروية.
ويشير الصحفي السوري إلى أن “الدوري الروسي وحتى الآن يعمل على جلب نجوم من خلال الإغراءات المالية”، ولذلك لا يمكن قراءة مشاركة اللاعبات الروسيات على أن الأمر يصب في صالح روسيا على نحو أكبر.
ويضيف أن “الأمر سياسي، وقضية مشاركة اللاعبات ليس لها أهداف رياضية بحتة تلاءم الروس، بل على العكس تلاءم أهداف النظام السوري فقط”.
ويعتقد الصحفي الرياضي الروسي ليسين أن فضيحة تزوير قيود اللاعبات من أجل المشاركة “كان مجرد بزنس”.
ويشير إلى أن “زملاءه الصحفيون عثروا على شخص له علاقة بتوظيف سباحين روس للمنتخب السوري”.
ويتابع حديثه موضحا أن “الشخص عرض على الرياضيين 2500 دولار شهريا ومكافأة مقابل الأداء الجيد”، فيما يعتقد أن “ما حصل يتعلق بمحاولة ضرب عصفورين بحجر واحد، لكنها محاولة سيئة للغاية دون فهم كامل لقانون الرياضة في روسيا والاتحادات الدولية أيضا”.
“تجاوز عقوبات”
وبعد العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية ضد روسيا جراء غزوها لأوكرانيا، واجهت موسكو عزلة رياضة غير مسبوقة، ما انعكس على اللاعبين الروس بعدما حرموا من المنافسة في الاستحقاقات الخارجية.
ومع ذلك دفعت العزلة عددا منهم إلى اتخاذ مسارات أخرى، من بينها ذاك الذي مضت من خلاله لاعبة التنس ناتيلا دزالاميدزه في يونيو العام الماضي، إذ غيّرت جنسيتها الرياضية لتصبح جورجية.
وجاء قرار دزالاميدزه، حينها لتتمكن من المشاركة في بطولة ويمبلدون، وفق تقرير نشرته صحيفة “تايمز” البريطانية.
وفي أعقاب قضية مشاركة اللاعبات الروسيات في منتخب سوريا اعتبر مدير مكتب الرئيس الأوكراني أندريه يرماك أن “رياضيي روسيا يحاولون تجاوز العقوبات باستخدام جنسية مزيفة لدولة ثالثة بهدف المشاركة في المسابقات الدولية، ولذلك تظاهروا بأنهم سوريون في دورة الألعاب العربية في الجزائر”.
وقال يرماك إن “الرياضيين الروس بحثوا عن طرق للمشاركة في المسابقات الدولية حيث لا يُسمح لهم بالمشاركة بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا. وفائدتهم من هذا الموضوع محدودة، أي أن يبقى اللاعبون الروس في احتكاك دائم ولا يبتعدون عن المنافسات”.
وتحدث المحلل السياسي الروسي المقيم في موسكو، رامي الشاعر أن 11 فارسا روسيا تمكنوا مؤخرا من الحصول على 11 جواز سفر فلسطيني، من أجل تجاوز العقوبات والمشاركة في المبارايات الدولية.
ويقول الشاعر لموقع “الحرة”: “بالنسبة لرياضة الفروسية من المهم جدا أن لا يكون هناك فترة انقطاع، لأن عمر الفرس له دور كبير في المباريات الدولية. الذروة بين 14 و 17 عاما”.
“الفرسان الروس كانوا يهيئون أحصنتهم للمشاركة في الألعاب الأولمبية الصيفية في باريس المزمع تنظيمها العام المقبل”.
لكن ومع فرض العقوبات الرياضية وجد هؤلاء أنفسهم أمام طريق مسدود، إلى أن تم تغيير جنسيتهم الرياضية، بعد الحصول على جوازات سفر فلسطينية.
ويضيف الشاعر: “الفرسان الروس سيشاركوا باسم فلسطين وهذا يعني أننا ساعدناهم في تغيير الجنسية الرياضية، وفق ما هو متبع في قوانين الاتحادات الدولية”.
ويشير الصحفي السوري تفنكجي إلى أن “اللاعبين الروس باتوا في مأزق كبير جدا، ولذلك تحاول روسيا تعويض ذلك من خلال إجراء بطولات محلية أو دولية على أراضيها”.
ومع ذلك يرى تفنكجي أن “البطولات العربية ليست من ضمن أولوية اللاعبين الروس”، وهو ما يجب النظر إليه فيما يتعلق بقضية مشاركة اللاعبات في منتخب سوريا بالبطولة العربية بالجزائر.
ويوضح مارتن ليبتون كبير محرري القسم الرياضي بصحيفة الصن البريطانية أن “معظم الهيئات الإدارية الرياضية تتمتع بمتطلبات جنسية صارمة للغاية، إما بناءً على مكان الميلاد أو النسب أو الإقامة”.
لذلك في الغالبية العظمى من الحالات، “لا يمكنك تغيير الجنسية لمجرد نزوة، ويجب أن تكون لديك قضية مشروعة وغالبا ما تكون هناك أورقا مطلوبة”.
ويضيف ليبتون لموقع “الحرة” أنه “قبل بضع سنوات كان هناك عدد هائل من العدائين الكينيين والإثيوبيين الذين أصبحوا فجأة قطريين أو مثلوا دولا أخرى”.
وبالمثل، كان هناك عدد كبير من لاعبي كرة القدم البرازيليين الذين “حصلوا” على جوازات سفر جديدة بسرعة ملحوظة.
لكن وفي مثل هذه الحالات، يشكك ليبتون “في موقف أكثر استقامة عندما يتعلق الأمر باللاعبية الروس، وأنه من المثير للاهتمام معرفة من يمثلون”.
“إذا قام الرياضيون بتأهيل وتغيير جنسياتهم بشكل شرعي وفقا للقواعد واللوائح، أو إذا كانوا يفعلون ذلك كبيان سياسي للاحتجاج على النظام في موسكو، فلا مشكلة لدي على الإطلاق مع هذه الإجراءات”.
ومع ذلك، يتابع كبير المحللين الرياضيين: “إذا كان من الواضح تماما أنهم يتبنون ما يُعرف بـ (أعلام الملاءمة)، وقد تحدثوا لدعم بوتين أو النظام الروسي ويسعون فقط إلى التلاعب بالنظام فهذا غير مقبول، والأمر متروك للهيئات العالمية من أجل التدخل”.