«الوضع في سوريا هو الأخطر منذ آذار 2020»؛ بهذه الكلمات لخّص المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، وجهة نظره حول التطورات الميدانية والسياسية في سوريا، خلال اجتماع لمجلس الأمن، الذي سجّل – كما العادة – مناوشات بين المبعوثة الأميركية ليندا توماس غرينفيلد من جهة، والمبعوث الروسي فاسيلي نيبينزيا من جهة أخرى، في وقت تشهد فيه عدّة جبهات تصعيداً متواصلاً وصل إلى حدّ الغليان.
التوصيف الذي استخدمه بيدرسن، والذي أشار فيه بشكل مباشر إلى الاشتباكات التي وقعت بين الجيشين السوري والتركي، عندما حاول الأخير مؤازرة الفصائل «الجهادية» لمنع الأول من استعادة طريق حلب – دمشق (M5) بالقوة، وهو ما جرى فعلاً، قد يكون قريباً من الواقع، في ظلّ التصعيد الواضح الذي تشهده خطوط التماس الفاصلة بين الفصائل المنتشرة في إدلب والجيش السوري. ويأتي هذا التصعيد بعد أن كثّفت الفصائل استخدام الطائرات الانتحارية المُسيّرة، بالتوازي مع شنّ هجمات ينفّذها «انغماسيون» تابعون لفصيلَي «الحزب الإسلامي التركستاني» و«أنصار التوحيد»، حليفَي «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا)، على مواقع للجيش السوري في ريف اللاذقية المحاذي لإدلب.
من جهته، شنّ الجيش السوري، بعد وقوع مجزرة الكلية الحربية في حمص والتي راح ضحيتها العشرات من ضباط ومدنييين كانوا يحضرون حفل تخريج في الخامس من الشهر الماضي، بالتعاون مع القوات الروسية، سلسلة هجمات صاروخية ومدفعية وبالطائرات الحربية على مخازن ومواقع إدارة عمليات الفصائل، وذلك بناءً على بنك أهداف تمّ تجهيزه مسبقاً خلال عمليات مسح دورية تجريها طائرات استطلاع.
وفي السياق، تشير المصادر الميدانية إلى أن سلسلة الاستهدافات أدّت إلى تدمير مراكز لإطلاق وإدارة الطائرات المُسيّرة، إلى جانب مخزن للأسلحة، وعشرات المواقع التي يتمركز فيها المسلحون. وتؤكّد المصادر، في حديث إلى «الأخبار»، أن هذه العمليات «لا تزال مستمرّة وسط محاولة الفصائل إشعال خطوط التماس التي رسمتها اتفاقية سوتشي الروسية الموقّعة عام 2019 وما تبعها من اتفاقيات لاحقة بين الطرفَين لخفض التصعيد». والجدير ذكره، هنا، أن دمشق تربط جولة التصعيد الأخيرة بالتصعيد الإسرائيلي المتواصل في سوريا، عبر تنفيذ اعتداءات طاولت مواقع عديدة في الجنوب (مواقع للجيش والدفاع الجوي) بالإضافة إلى بعض البنى التحتية، وأبرزها مطارا دمشق وحلب اللذان تعرّضا لأربعة اعتداءات بهدف إخراجهما عن الخدمة.
وإلى جانب التصعيد المستمرّ على الجبهة الشمالية الغربية، يشهد الشمال الشرقي تصعيداً من نوع آخر، في ظلّ الاشتباكات المستمرّة بين العشائر و«قسد» من جهة، والعمليات المتواصلة التي تنفّذها قوات المقاومة ضدّ القواعد الأميركية غير الشرعية، رداً على المجازر الإسرائيلية ضدّ الفلسطينيين في غزة، وعلى الاعتداءات التي تنفّذها قوات الاحتلال ضدّ سوريا، من جهة أخرى. وخلال اليومين الماضيين، شهدت قاعدة «كونيكو» الأميركية سلسلة استهدافات متواصلة، بعضها بالقذائف وبعضها بالطائرات المُسيّرة، كجزء من العمليات التي تنفذها المقاومة في سوريا والعراق، والتي بلغ عددها حتى الإثنين، 23 عملية خلال أسبوعين، وفق ما أعلن المتحدث باسم البنتاغون، بات رايدر، خلال إيجاز صحافي، موضحاً أن القوات الأميركية وقوات «التحالف الدولي» تعرّضت للهجوم 14 مرة على الأقلّ في العراق، و9 مرات في سوريا، في وقت تخفي فيه واشنطن نتائج هذه العمليات. واستقدمت الولايات المتحدة شحنات جديدة من الأسلحة، وقامت بتوزيعها على قواعدها غير الشرعية، بما يشمل منظومات دفاعية، وأجهزة رصد وتشويش لمنع المُسيّرات من الوصول إلى القواعد. كما قامت بتكثيف حركة طائرات الاستطلاع، وتنفيذ هجمات بالتعاون مع القوات الإسرائيلية في مناطق حدودية مع العراق، غير أن هذه الهجمات لم تتمكّن من تعطيل عمليات المقاومة التي رفعت من وتيرة نشاطها بشكل واضح.
وبالتوازي مع النشاط الأميركي المكثّف في محيط القواعد غير الشرعية، بدأت واشنطن عمليات تدريب مشتركة مع قوات منتقاة من «قسد»، تمّ تنفيذها في ثلاثة مواقع في الحسكة ودير الزور، وشملت تدريبات على التصدّي للطائرات المُسيّرة والقذائف، وعلى استخدام المدرعات وبعض الأسلحة الهجومية، وفق ما ذكرت المصادر نفسها. وتأتي الخطوات الأميركية المستعجلة هذه، مقرونةً بحملة إعلامية تشنّها وسائل إعلام عربية وسورية معارضة تصوّر الصراع القائم في سوريا على أنه جزء من صراع بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وإيران من جهة أخرى، في وقت تمّ فيه توثيق عمليات رصد تجريها بعض وسائل الإعلام لمواقع الجيش السوري ومنظومات الدفاع الجوي في الجنوب والشمال الشرقي، وهي مواقع قامت واشنطن وتل أبيب بشنّ هجمات ضدّها في وقت لاحق، ما دفع ناشطين إلى إطلاق حملة إعلامية تحذّر من مخاطر نشر صور أو معلومات حول تحرّكات الجيش السوري، كما تحذّر من النشاط الذي وصفته بأنه «مشبوه» لبعض وسائل الإعلام.
وبالعودة إلى اجتماع مجلس الأمن، فقد بدا لافتاً تركيز نائبة السفير التركي لدى الأمم المتحدة، سيرين هاندي أوزغور، في كلمتها، على المسار السياسي للحلّ، والذي تسعى أنقرة إلى استثماره للتخلّص من عبء اللاجئين السوريين، الذين تتابع عمليات ترحيلهم إلى تجمعات سكنية يتمّ بناؤها على الشريط الحدودي، شمالي سوريا، بتمويل مباشر من قطر. ويأتي ذلك في ظلّ استمرار الجمود على خطّ «اللجنة الدستورية»، التي كان بيدرسن انقلب على موقفه في شأنها، برفضه عقد الاجتماعات في سلطنة عمان، وإصراره على عقدها في جنيف السويسرية.
أمّا المندوب الروسي فحذّر من خطورة الضربات الأميركية في سوريا والتي اعتبرها «محفوفة بعواقب وخيمة جداً، لأنها يمكن أن تثير تصعيداً مسلحاً في المنطقة بأسرها في ظلّ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي»، وفق تعبيره، مضيفاً أنه «في 26 من تشرين الأول، قصفت القوات الأميركية هدفين بالقرب من مدينة البوكمال. مثل هذه الأعمال غير المشروعة ليست أكثر من انتهاك صارخ لسيادة سوريا وقواعد القانون الدولي»، مؤكّداً أنه «لا يمكن السماح بهذا على أيّ حال».
المصدر : الأخبار