لم يعد خافياً التنافس بين الطرفين الروسي والأميركي في شمال شرقي سورية، أو ما بات يُعرف اصطلاحاً بـ”شرقي الفرات”، المنطقة التي تضم ثروة نفطية هائلة، والتي شهدت خلال الآونة الأخيرة نشاطاً أميركياً ملحوظاً لجهة جلب تعزيزات عسكرية كبيرة، أثارت حفيظة الروس الذين يملكون موطئ قدم في المنطقة منذ أواخر عام 2019.
وكرّرت موسكو على لسان نائب رئيس المركز الروسي للمصالحة في سورية، الأميرال ألكسندر كاربوف، أول من أمس الجمعة، أنّ وجود “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة في سورية “غير قانوني ومخالف للقانون الدولي”، وهو ما يُظهر الاستياء الروسي المتصاعد من الوجود الأميركي في الشمال الشرقي من سورية. وفي تعليق له على التعزيزات الأميركية الأخيرة، قال المسؤول الروسي إنّ “قوات النظام (السوري) قادرة على التعامل باستقلالية مع الخلايا الإرهابية على أراضيها”، معتبراً أنّ “ممارسات القيادة العسكرية الأميركية في مناطق شرقي الفرات على خلفية حالة اقتصادية واجتماعية طارئة، تلحق ضرراً خطيراً بآفاق التسوية السياسية” في سورية. وتعتبر روسيا وجودها العسكري قانونياً في سورية، لأنّه جاء بناء على اتفاق مع النظام، بينما تعتبر الوجود الأميركي ودول “التحالف الدولي” لمحاربة الإرهاب، مخالفاً للقوانين الدولية.
وصفت موسكو التحركات الأميركية بأنّها غير قانونية
ودفعت وزارة الدفاع الأميركية، خلال الأيام القليلة الماضية، بمزيد من القوات والآليات العسكرية إلى قواعد لـ”التحالف” في منطقة شرقي الفرات، دخلت إلى سورية من إقليم كردستان العراق عبر منفذ اليعربية الحدودي في ريف الحسكة الشمالي الشرقي. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن قافلة عسكرية مؤلفة من 50 حافلة، دخلت الأراضي السورية محمّلة بمعدات عسكرية ومواد لوجستية، مشيرة إلى أن القافلة عبرت من خلال مدينة القامشلي في ريف الحسكة، ثم توجهت إلى قاعدة تل بيدر في هذا الريف، وقاعدة حقل العمر النفطي في ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات. وتنتشر قوات تابعة لـ”التحالف الدولي” في القسم الشرقي من منطقة شرقي نهر الفرات على امتداد ريفي الحسكة ودير الزور، وهو الشريط الحدودي مع الجانب العراقي، والذي يعد من أغنى المناطق السورية بالغاز والبترول.
وتعدّ قاعدة حقل العمر النفطي في ريف دير الزور، أكبر القواعد الأميركية في شرقي الفرات التي تسيطر عليها “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) ذات الطابع الكردي، والتي تعد ذراعاً برّية لـ”التحالف الدولي” في سورية. وكانت هذه القوات انتزعت الحقل من تنظيم “داعش” أواخر 2017، بمساعدة جوية “التحالف”. ويُنتج حقل العمر حالياً نحو 45 ألف برميل نفط يومياً، بينما كان ينتج سابقاً ضعف هذا الرقم. كما يحتوي ريف محافظة دير الزور الخاضع لسيطرة “قسد” على العديد من الحقول والآبار، منها حقل ومعمل كونيكو للغاز، ويليه حقل التنك، الذي قُدّر إنتاجه قبل 2013 بنحو 40 ألف برميل يومياً، بينما يُقدّر إنتاجه حالياً بما بين 10 و15 ألف برميل.
وتضم منطقة تل البيدر في ريف الحسكة الشمالي قاعدة أميركية لا تقل أهمية عن قاعدة حقل العمر، كونها، وفق مصادر مطلعة، تضم مهبط طائرات. وبيّنت المصادر لـ”العربي الجديد”، أن قاعدة تل البيدر “محصنة وتضم نحو 350 جندياً أميركياً”، مضيفة أنّها “من أبرز القواعد الأميركية في الحسكة”. وإلى جانب هاتين القاعدتين، هناك قواعد ونقاط تمركز أميركية عدة، منها: قاعدة الرميلان في ريف الحسكة، وقاعدة المالكية، وقاعدة قسرك الأميركية، شرقي بلدة تل تمر على طريق “إم 4”. وتضم منطقة رميلان أهم حقول النفط والغاز في الشمال الشرقي من سورية، حيث يوجد فيها نحو 1322 بئراً، بالإضافة إلى معمل للغاز كان ينتج نسبة كبيرة من حاجات سورية من المادة قبل الثورة في 2011. ويوجد نحو 25 بئراً من الغاز في حقول السويدية بالقرب من رميلان.
ورأى الباحث السياسي رضوان زيادة، في حديث لـ”العربي الجديد”، أنّ التعزيزات الأميركية “تأكيد على فكرة بقاء القوات الأميركية في سورية وعدم انسحابها قريباً”، معرباً عن اعتقاده بأنّه “ليس هناك تغيير في مهمتها أو وظيفتها”.
يعزز الروس أيضاً وجودهم في الشمال الشرقي من سورية
من جهته، ربط المحلل السياسي فريد سعدون، التعزيزات الأميركية المتصاعدة إلى الشمال الشرقي من سورية، بالانسحاب الأميركي من أفغانستان والعراق، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أنّ “القوافل الأميركية التي تدخل سورية من كردستان العراق لم تنقطع”. وأوضح سعدون أنّ “قافلتين تدخلان أسبوعياً تحملان تعزيزات عسكرية أو لوجستية”. ورأى أنّ هناك أسباباً وراء ازدياد هذه الوتيرة، منها الانسحاب من أفغانستان. كما لفت إلى “وجود اتفاقيات قيد الإنجاز بين واشنطن وبغداد للانسحاب وتسليم قواعد أميركية للحكومة العراقية، ومن ثم تنقل القوات الأميركية إلى قواعد لها في الخليج العربي وسورية”.
من جهتهم، ومقابل الوجود المتصاعد لـ”التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة، يعمل الروس على تعزيز وجودهم في الشمال الشرقي من سورية، سواء في القسم الذي يقع تحت سيطرة “قسد”، أو ذاك الذي تسيطر عليه قوات النظام والمليشيات الإيرانية المتحالفة معها. وفي أحدث تحرك على هذا الصعيد، بدأت روسيا، منتصف إبريل/نيسان الماضي، بإنشاء قاعدة عسكرية لها في منطقة معدان في ريف الرقة الجنوبي الشرقي، وأشارت مصادر محلية إلى أن الروس “شرعوا في إنشاء مهبط للطائرات المروحية” في المنطقة.
كما يعمل الروس بشكل مستمر على تعزيز قواعدهم في منطقة شرقي نهر الفرات التي دخلوها أواخر 2019 بناء على اتفاق مع “قسد” التي اعتمدت عليهم لإيقاف عملية عسكرية تركية هدّدت وجودها. ومن أبرز القواعد الروسية في الشمال الشرقي من سورية، قاعدة مطار القامشلي (أنشئت أواخر 2019)، وتعد امتداداً لقاعدة حميميم على الساحل السوري. وتضم هذه القاعدة التي تخضع لحماية من أنظمة بانتسير للصواريخ سطح- جو، طائرات مروحية ومنظومات دفاع جوي نقلت من حميميم. كما ينتشر الروس في مطار الطبقة العسكري جنوب غربي الرقة، وفي منطقة عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، وفي محيط منطقة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي الشرقي، إضافة إلى العديد من المواقع الأخرى شرقي نهر الفرات.