يشهد الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يُعرف بـ”شرق الفرات”، مناكفات روسية أميركية تشي بتجدد التنافس بين وواشنطن وموسكو في المن الأكثر أهمية في الجغرافية السورية، التي يخضع جلها لسيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الذراع العسكرية للتحالف الدولي في مواجهة تنظيم “داعش”.

وقالت القوات الروسية في سورية، مساء الجمعة الماضي، إنها تعرضت لـ”استفزاز” من القوات الأميركية في مدينة الرقة، وفق بيان اعتبر فيه نائب رئيس مركز المصالحة الروسي في سورية، أوليغ غورينوف أن “مثل هذه الأعمال لها تأثير مدمر في تطور الوضع”. وأشار إلى أن “دوريات التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب تحركت عبر مسارات غير متفق عليها ضمن آلية تفادي الصدامات”.

وجاء التحذير الروسي بعد أيام من بدء التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة إنشاء قاعدة عسكرية في منطقة السويدية في ريف الرقة الغربي بالقرب من مدينة الطبقة. وبحسب مصادر مقربة من “قسد”، فإنّ القاعدة الجديدة تأتي إضافة إلى القاعدة العسكرية التي بدأت قوات التحالف بتجهيزها قبل أسابيع بالقرب من جسر الرشيد عند مدخل مدينة الرقة الجنوبي.

محمد سالم: نشر منظومة صواريخ هيمارس في شمال شرقي سورية موجهة للإيرانيين بشكل أكبر من الروس

وبحسب وكالة “الأناضول” التركية، زودت وزارة الدفاع الأميركية قواتها المتمركزة قرب حقول النفط، شرقيّ سورية، بمنظومة صواريخ من طراز “هيمارس”، أواخر الشهر الماضي.

ونقلت الوكالة عن مصادر لم تسمّها قولها إن المنظومة المتحركة التي تستخدم لتنفيذ ضربات دقيقة على الأهداف البعيدة، “أُرسِلَت إلى القاعدة الأميركية في حقل العمر النفطي وقاعدتها في حقل كونيكو للغاز الطبيعي”، وكلتا القاعدتين في ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات.

رسالة ردع أميركية للإيرانيين والروس

وأعرب مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن نشر الجانب الأميركي لمنظومة صواريخ في شرق الفرات “أقرب لكونها رسالة ردع للإيرانيين والروس”. وقال إن “الرسالة للإيرانيين بالدرجة الأولى، لأنهم هم الذين يهاجمون قواعد التحالف الدولي، سواء بالصواريخ أو بالطائرات المسيّرة، فيما يكتفي الروس بدعم الإيرانيين في هذا الخيار بشكل غير مباشر”.

ورأى سالم أنه ليس لدى الروس القدرات للصدام بالأميركيين “بسبب غرقهم في المستنقع الأوكراني”، مضيفاً أن “إمكاناتهم البشرية ضعيفة مقارنة بالإيرانيين القادرين على تحمّل خسائر بشرية كبيرة، لأنهم يستعينون بمادة بشرية مبنية على تجميع مليشيات من كل مكان، بمن في ذلك العناصر المحليون، وهي تكلفة منخفضة بالنسبة إلى الإيرانيين”.

ولفت سالم إلى أن الحرب الأوكرانية “زادت من اصطفاف الروس مع الإيرانيين، حيث تساعد إيران روسيا بالطائرات المسيّرة”، مضيفاً أن “نشر منظومة صواريخ من طراز هيمارس في شمال شرق سورية رسالة للروس أيضاً، لكونهم بدأوا بخرق الالتزامات بتقليل التصادم الجوي، لكنها موجهة للإيرانيين بشكل أكبر”.

ولطالما شهد الشرق السوري مواجهات بين الأميركيين والإيرانيين الذين استهدفوا قاعدة العمر الأميركية عدة مرات، وهو ما استدعى رداً مباشراً من الجانب الأميركي. وأصيب، الأسبوع الماضي، 22 عسكرياً أميركياً بجروح متفاوتة بعد تعرّض مروحية لحادث شمال شرقيّ سورية. ولم تذكر القيادة المركزية الأميركية أي تفاصيل عن سبب الحادث أو مدى خطورة الإصابات.

وازدادت في الآونة الأخيرة وتيرة التعزيزات الأميركية القادمة من الجانب العراقي إلى القواعد ونقاط التمركز في شمال شرق سورية، التي تنتشر في المحافظات الثلاث، الحسكة ودير الزور والرقة. ودخلت الأحد الماضي من معبر الوليد الحدودي قرابة 40 آلية أميركية تحمل مدرعات عسكرية وناقلات وقود وكميات كبيرة من الذخيرة، وقد توجّهت -وفق مصادر محلية- إلى القواعد والنقاط العسكرية للقوات الأميركية في مناطق رميلان وتل بيدر والشدادي بمحافظة الحسكة.

وللولايات المتحدة عشرات القواعد والنقاط في شمال شرق سورية، أبرزها قاعدة “العمر” الواقعة في حقل نفطي يحمل ذات الاسم في ريف دير الزور الشرقي، الذي يضم قيادة قوات التحالف في المنطقة.

وهناك قواعد أقل أهمية في رميلان والمالكية وتل بيدر والشدادي في ريف الحسكة، إضافة إلى قاعدة في حقل كونيكو للغاز في ريف دير الزور، وعدة نقاط تمركز في الرقة وريفها. وهناك مطار للمروحيات الأميركية في منطقة خراب عشك في ريف عين العرب بريف حلب الشمالي الشرقي، استُخدم أخيراً في عمليات إنزال طاولت قياديين في “داعش” في شمال سورية.

استبعد رشيد حوراني مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن في شمال شرقي سورية

والقاعدة الأكبر هي قاعدة التنف الواقعة في المثلث الحدودي السوري العراقي الأردني، وهي تتبع للتحالف الدولي ضد الإرهاب وتضم قوات من عدة بلدان.
وبدأ دخول القوات الروسية إلى منطقة شرق الفرات في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، عقب عملية “نبع السلام” العسكرية التركية في منطقتي رأس العين وتل أبيض، حيث اضطرت “قسد” إلى توقيع اتفاق عسكري مع الروس لإيقاف العملية التركية، سمح للروس بإنشاء قواعد في شرق الفرات.

وللروس اليوم قاعدة كبرى في مطار القامشلي أقصى الشمال الشرقي من سورية، مرتبطة بقاعدة حميميم مركز القيادة الروسية على الساحل السوري. وتضم قاعدة القامشلي منظومة صواريخ دفاع جوي، ومنها تنطلق دوريات روسية تجوب الحدود السورية التركية. ولهم أيضاً عدة نقاط تمركز في عدة مناطق في ريف الحسكة، إضافة إلى نقطة في بلدة عين عيسى شماليّ الرقة، وأخرى في بلدة صرين جنوب مدينة عين العرب، إضافة إلى نقطة في مطار الطبقة العسكري في ريف الرقة الغربي.

هناك وجود مهم للروس في دير الزور

وفي السياق، أوضح مدير مركز “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن للروس وجوداً مهماً في محافظة دير الزور، مضيفاً: “لديهم نقاط في مدينتي الميادين ودير الزور”.

وبيّن أن للروس حضوراً عسكرياً ليس بعيداً عن منطقة الشدادي بريف الحسكة الجنوبي، مرجحاً أن تكون هذه المنطقة ميدان مواجهة روسية أميركية في حال انجرار الجانبان إلى صدام. ولم يستبعد حدوث مواجهة عبر نهر الفرات في محافظة دير الزور، مشيراً إلى أن الروس والأميركيين لديهم وجود عسكري فاعل على ضفتي النهر.

والى جانب الروس، هناك حضور للجانب التركي في شرق الفرات حيث أنشأ قواعد ونقاطاً له في منطقتي تل أبيض ورأس العين، حيث تخضع المنطقتان للنفوذ التركي المباشر. وللنظام حضور غير ذي أهمية في مربعين أمنيين في مدينتي القامشلي والحسكة، ونقطة تمركز وانتشار في منطقة عين عيسى شماليّ الرقة، إضافة إلى حرس للحدود.

وللإيرانيين حضور في شرق الفرات من خلال عشرات المليشيات الموجودة في عدة قرى في ريف دير الزور شمال النهر، فضلاً عن كونها تسيطر على كامل ريف دير الزور جنوب النهر، ومدى أسلحتها يصل إلى القواعد الأميركية.

استبعاد مواجهة عسكرية بين أميركا وروسيا

من جانبه، استبعد الباحث السياسي في مركز “جسور” للدراسات رشيد حوراني، مواجهة عسكرية بين موسكو وواشنطن في شمال شرق سورية، مضيفاً: لكن الولايات المتحدة لديها القدرة على شلّ ما تسميه “العمليات العدوانية” التي تقوم بها الطائرات الروسية في منطقة نفوذها شرق الفرات من خلال وسائط الحرب الإلكترونية والتشويش على هذه الطائرات بشكل يعرقل تنفيذها لمهامها الاستطلاعية وجمع المعلومات.

وتابع: لدى واشنطن القدرة على مهاجمة الأهداف الروسية عبر حلفائها المحليين (جيش سوريا الحرة – قسد)، ولكني أعتقد أن جميع الأطراف في الوقت الحالي لا تريد تغيير خطوط التماس.

دلالات

Share.
Exit mobile version