تعتبر من التقاليد التاريخية الاجتماعية وهي وجبة بين الإفطار والسحور
الغبقة في ليالي رمضان تقليد اجتماعي تاريخي متوارث في منطقة الخليج، اعتاد أهالي المنطقة على إحيائه منذ مطلع القرن الـ20، وتعد إحدى الوجبات الرئيسة في شهر رمضان، وهي تقع بين وجبة الإفطار والسحور.
وتعني العشاء الرمضاني المتأخر الدي يسبق وجبة السحور، وتقام عادة بين الساعة العاشرة ليلاً حتى الواحدة صباحاً، ويلتزم المدعون لها بارتداء اللباس التقليدي كباراً وصغاراً لإبراز الجوانب التراثية الأصيلة في ليلة الغبقة.
ويحرص الخليجيون بشكل عام على إقامة الغبقات، وفي محافظة الأحساء شرق السعودية ما زالت الغبقة تسكن ليالي رمضان خصوصاً في العشر الأواخر من الشهر، يدعون لها الأهل والجيران والأصدقاء ويعتبرونها فرصة لتعزيز التعارف والترابط الاجتماعي بينهم.
الوجبة الرئيسة
وبحسب الباحث في التاريخ الاجتماعي بمحافظة الأحساء عبدالله الشايب فإن أصل الغبقة هو الغبوق، وهي كلمة عربية أصيلة وعادة عربية قديمة معناها الأكل والشرب المتأخر في الليل، وتعتبر وجبة المندي الحساوي هي سيدة الغبقة الرمضانية، تتكون من الرز واللحم أو الدجاج مع إضافة بعض البهارات.
يحرص الأهالي على تقديم المندي كوجبة في المناسبات الاجتماعية أو اللقاءات الأسرية بسبب مذاقها اللذيذ ونكهتها التي تحتوي على رائحة حطب النخيل الطبيعي، ويقول الشايب في حديثه إن ما يميز المندي الحساوي عن غيره من الأطباق الأخرى طريقة إعداده التقليدية، حيث يتم جمع مكونات الطبخ في وعاء كبير، وهو “الجدر”، مع إضافة الماء، ثم يغمر في تنور عميق داخل الأرض مليء بالحطب وجريد النخل المشتعل، وبترقب يمتد إلى قرابة ساعة ونصف ساعة، يتم إخراجه من التنور جاهزاً للأكل، إضافة إلى بقية الأكلات الشعبية كالهريس والجريش وأطباق الحلويات الشعبية.
الخيام الرمضانية الفندقية
وفي الوقت الحالي خرجت الغبقات من كونها تقليداً اجتماعياً يقام في مجالس المنازل بين الأهل والأقارب إلى الخيام الفندقية والفضاءات المفتوحة في المزارع، حيث وجدت القطاعات والهيئات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في الغبقات فرصة لتعزيز العلاقات بين أفرادها، كما دفع انتقال الغبقات الرمضانية إلى الخيام الفندقية القائمين عليها إلى إدخال عديد من الأنشطة التي ترافق بعض من المسابقات الشعبية.
ويؤكد خالد بو بشيت من محافظة الأحساء أن الغبقات لم تتأثر جراء انتقالها إلى مساحات أوسع وبقيت محافظة على طابعها التراثي، وخصوصاً حرص القائمين على خدمات الضيافة بتقديم الأكلات التراثية في قائمة الطعام المفتوح “البوفيه”، واعتبر دخول الأطباق الجانبية هو لمسايرة مختلف الأذواق، واستبعد أن تواجه الغبقة تحديات مستقبلية تؤثر في اعتبارها عادة متوارثة بين الأجيال في الخليج، مشيراً إلى أنها تحمل معاني كثيرة تسهم في تعزيز التعارف والترابط الاجتماعي والمحافظة على الطابع التراثي من خلال العادات والتقاليد التي تسود أجواء الغبقات، كما أن التمسك بالعادات والتقاليد سمة المجتمع السعودي والغبقة إحدى هذه العادات التي يزيد اهتمام المجتمع بها كلما تقادم الزمن بخاصة أنها ارتبطت بشهر رمضان الذي يحرص كثير من العائلات على الحفاظ على تقاليده الشعبية التي توارثوها من آبائهم وأجدادهم.
تراث عريق
ويرى كثير من الحاضرين أن الغبقة اختلفت في الوقت الحالي من ناحية أنواع الأكلات، ففي حين كانت تقتصر المائدة في السابق على طبق أو طبقين على الأكثر، إلا أنها حالياً اختلفت بتعدد أنواع المأكولات المقدمة، وعلى رغم اختلاف “الغبقة” بين الماضي والحاضر لكنها تبقى تجمعاً يحرص الجميع على حضوره، كما تعد أحد الموروثات الشعبية التي ترجع بنا إلى ماضي جلسات الأجداد الذين تركوا لنا تقاليد وعادات تعزز أواصر العلاقات الاجتماعية وخصوصاً في شهر رمضان.
تتميز موائد الإفطار في رمضان بكل دول الخليج بأنواع من الأطعمة التي تجعلها مميزة عن غيرها، كما تتميز أيام الشهر الفضيل بجلسات القهوة والحلويات التي تتبع عادة وجبة الغبقة.
المصدر: إندبندنت عربية