سلمت مختلف الأحزاب التركية المشاركة في الانتخابات المقبلة قوائم مرشحيها للانتخابات البرلمانية للهيئة العليا للانتخابات، والتي يفترض أن تراجعها بغية إقرارها أو التعديل الطفيف عليها قبل نشرها في الصحيفة الرسمية.
القوائم
أقرت الهيئة العليا للانتخابات مشاركة 36 حزبا سياسيا في البلاد محققا للشروط في الانتخابات المقبلة، ثم أجرت بعد عدد من الانسحابات القرعة لترتيب الأحزاب الـ26 المتبقية في الورقة الانتخابية التي سيصوّت بناء عليها الناخبون.
من ضمن هذه الأحزاب 5 تحالفات هي “الجمهور” الحاكم الذي يضم إلى جانب العدالة والتنمية أحزاب الحركة القومية والاتحاد الكبير والرفاه مجددا ويدعمه من خارجه حزبا الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي، وتحالف “الشعب” المعارض الذي يضم أحزاب الطاولة السداسية الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطية والتقدم والمستقبل والديمقراطي، وتحالف “العمل والحرية” الذي يضم أحزاب يسارية يقودها الشعوب الديمقراطي، وتحالف “أتا” أو “الأجداد” الذي يضم أحزابا يمينية يقودها حزب النصر المتطرف المعادي للاجئين، وتحالف “اتحاد القوى الاشتراكية” الذي يضم أحزابا يشير لها اسمه.
من الطبيعي أن جل الاهتمام والبحث تركز حول أول تحالفين بعدِّهما الأكبر في البلاد واللذين تدور بينهما منافسة حامية في الانتخابات المقبلة على البرلمان والرئاسة، وقد صاغ كل منهما قوائمه بفلسفة مختلفة عن الآخر.
تقدم تحالف الشعب أو الأمة المعارض بقائمتين فقط تحت سقف التحالف، قائمة الحزب الجيد وقائمة حزب الشعب الجمهوري. وقد قدم الأخير 77 مرشحا من الأحزاب الأربعة الأخرى داخل التحالف على قوائمه (إضافة لأحزاب أخرى من خارجه)، بحيث لم تدخل تلك الأحزاب الانتخابات بأسمائها وشعاراتها ولا بقائمة مشتركة وإنما على قوائمه حصرا.
ويعود ذلك لسعي التحالف لتحشيد الأصوات للقائمة وتجنب تشتتها وهدرها، وبالتالي كسب أكبر عدد ممكن من مقاعد البرلمان المقبل من جهة، ومن جهة ثانية لحضور هذه الأحزاب الضعيف في الشارع وفق استطلاعات الرأي الأخيرة بحيث تكون فرصها في النجاح حال ترشحها بمفردها ضئيلة.
ورغبة في الاستفادة القصوى من فكرة التحالف، فقد قدم الشعب الجمهوري بعض مرشحي الحزب الجيد على قوائمه، واتفق الحزبان على دعم بعضهما بعضا في عدد من المحافظات حسب قوة كل منهما فيها. وبهذه الطريقة، يسعى التحالف لأن تصب أغلب أو كل الأصوات الموجهة لمختلف أحزاب التحالف لهذه القوائم.
في المقابل، دخل تحالف الجمهور الحاكم الانتخابات بقوائم منفصلة في العموم. فعلى عكس رغبة العدالة والتنمية، أعلنت الأحزاب الأخرى في التحالف عن رغبتها في خوض الانتخابات بقوائمها الذاتية. وتقديرنا أن قرار الحركة القومية، الحزب الثاني في التحالف، كان ردة فعل انفعالية على إعلان الأحزاب الصغرى ذلك، ويعود كذلك لرغبته في كسب بعض الأصوات التي تنفض عن الحزب الجيد مؤخرا لا سيما وأن الأخير يشترك معه في الخلفيات السياسية والفكرية والأيديولوجية.
بيد أن العدالة والتنمية قدم كذلك مرشحين عن أحزاب من خارج التحالف، مثل الدعوة الحرة واليسار الديمقراطي، على قوائمه بعدد قليل جدا، وهي أحزاب كانت أعلنت دعمها للرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية وإن لم تدخل التحالف رسميا.
دلالات وانعكاسات
تعد صياغة قوائم المرشحين للانتخابات البرلمانية من أصعب الأمور التي تخص الانتخابات. ورغم أن رئيس كل حزب يملك صلاحيات شبه مطلقة بهذا الخصوص، فإنه يبذل جهدا مضاعفا في إعدادها مع قيادة حزبه إذ يحتاج لتقديم قوائم قادرة على المنافسة والفوز من جهة وعلى إرضاء مختلف الأطراف من جهة ثانية، وهو أمر متعذر بطبيعة الحال. ومع التحالفات القائمة وحالة الاستقطاب وفلسفة إعداد القوائم الانتخابية، باتت مهمة بعض رؤساء الأحزاب أصعب بكثير.
في تحالف الجمهور الحاكم، كان إعداد القوائم أسهل نسبيا، فمعظم الأحزاب قدمت قوائمها الذاتية دون حرص على إرضاء أطراف خارجية، اللهم إلا الصف الداخلي للحزب. ولذلك، فقد أعاد حزب الحركة القومية، على سبيل المثال، ترشيح 43 من أصل 48 نائبا له في البرلمان حاليا، للانتخابات المقبلة.
حتى العدالة والتنمية كانت مهمته سهلة نسبيا، فمن رشحهم على قوائمه أعدادهم قليلة جدا بحيث يستبعد أن يواجه ذلك باعتراضات من داخل الحزب. وقد ذهب الأخير لعملية تجديد واسعة في الترشيح وصلت حد 65% من أعضاء البرلمان الحاليين منه.
ومن الملحوظات الرئيسة على قوائم الحزب الحاكم أنه حرص إلى جانب التجديد على مظهر القوة، بحيث ترأست قوائمه في مختلف المحافظات شخصيات معروفة وقوية مثل الوزراء ونواب رئيس الحزب ووزراء سابقين.. إلخ.
وإضافة لذلك، فقد اهتم بالعامل المحلي والعائلي في محافظات الشرق والجنوب الشرقي حيث للعائلة والعشيرة دور مهم، فضلاً عن تقديمه شخصيات فنية ورياضية ومهنية معروفة للجمهور كما يفعل دائما.
بيد أن سهولة صياغة القوائم لا تعني بالضرورة نتائج أفضل، فقد كانت القوائم المشتركة خيارا أفضل للتحالف الحاكم، لا سيما مع التقارب الأيديولوجي بين أحزابه المختلفة، ولكن العدالة والتنمية لم يستطع فيما يبدو إقناع الأحزاب الأخرى وخصوصا الحركة القومية بذلك ولا سعى للضغط عليها بهذا الاتجاه.
يعني ذلك أن نسبة من الأصوات ستتشتت وتضيع هباء وبالتالي يمكن أن يستفيد منها تحالف الشعب المعارض في المقام الأول، ويعني كذلك أن حالة من التنافس ستحصل بين هذه الأحزاب، ولا سيما بين العدالة والتنمية والحركة القومية، في بعض المحافظات والدوائر الانتخابية بحيث يكون فوز أحدها (الحركة القومية؟) على حساب الآخر (العدالة والتنمية؟) وليس الطرف المنافس.
في المقابل، كان على كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري (ومرشح تحالف الشعب للرئاسة) أن يوازن بين 3 أمور؛ إرضاء صفه الداخلي، وإرضاء الأحزاب المتحالفة معه، وتقديم قوائم قوية ومقنعة للناخبين من حيث المنافسة وفرص الفوز. ولم يكن ذلك سهلا بسبب الخلافات والاختلافات بين حزبه والأحزاب الأخرى، وهو ما سبب جدلا كبيرا داخل أروقة الحزب وتسبب بتأجيل اجتماع قيادته لإقرار القوائم أكثر من مرة.
إذ إن بعض قيادات الحزب وكوادره، وبالتأكيد أنصاره، يرفضون ترشيح “خصوم الأمس” على قوائم حزبهم وبما يحرم بعضهم من الترشح والفوز. وفي المقابل، فإنه ليس مضمونا أن يصوت كل أنصار هذه الأحزاب لقوائم الشعب الجمهوري -خصمهم التقليدي- بهذه السهولة وفقط بهدف إنجاح مرشحيهم، كما قد يؤثر ذلك على حماسة الماكينات التنظيمية لمختلف الأحزاب في الحملة الانتخابية.
ولذلك، أقول إن أثر هذه الأحزاب، وخصوصا حزبَيْ المستقبل والديمقراطية والتقدم بقيادة داود أوغلو وباباجان على التوالي، على العدالة والتنمية وقدرتها على السحب من رصيده الانتخابي تراجع بشكل ملحوظ بهذا الخيار. إذ أن تقديم هذه الأحزاب مرشحيها على قوائم الشعب الجهموري سيقف عائقا أمام تصويت الشريحة الغاضبة من العدالة والتنمية والباحثة عن بديل له.
وكانت ترى في هذه الأحزاب البديل، ولكن ليس الشعب الجمهوري. وبالتالي، ستخدم هذه الطريقة في الترشح إلى حد كبير العدالة والتنمية وبالمنطق نفسه حزب الرفاه مجددا الذي يبدو في مقدمة الكاسبين في مسار الانتخابات الحالي، بغض النظر عن نتيجته المباشرة في البرلمان المقبل.
نظريا، تؤمن القوائم المشتركة للشعب الجمهوري فرصة لتحالف المعارضة ليتجنب تشتت الأصوات ويرفع عدد نوابه في البرلمان المقبل، وهذا مرجح إلى حد كبير ويمكن توقع حصوله مع حزب الشعوب الديمقراطي على أغلبية بسيطة في البرلمان المقبل. لكن عمليا، من الصعب الجزم بذلك وقد يفيد هذا الأمر أحزاب التحالف الحاكم في بعض المحافظات من زاوية الشريحة المترددة على وجه التحديد.
أخيرا، أفادت القوائم المقدمة مؤخرا من الأحزاب حزب العدالة والتنمية جزئيا وعظمت فرصه مقارنة بالفترة السابقة، لكنها كذلك تمنح تحالف الشعب المعارض فرصة غير مسبوقة بإمكانية كسب أغلبية البرلمان المقبل لا سيما مع تفرد أحزاب التحالف الحاكم بقوائمهم.
لكن ما زال من الصعب توقع النتيجة بشكل دقيق من الآن، لا سيما وأن الحملة الانتخابية لم تبدأ رسميا بعد وأن النتائج ستعتمد كذلك على نتائج أطراف أخرى من داخل التحالفات مثل تحالف “أتا” ومن خارجها مثل حزب البلد بقيادة محرم إنجة.
مصدر : Al Jazeera